تقديم: –
في الخامس من يونيو من العام 2017 دخلت العلاقات الخليجية الخليجية في واحدة من أسوأ أزماتها بإعلان كل من الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ، ودولة البحرين مقاطعتها لدولة قطر في واحدة من أكثر الممارسات السياسية إجحافاً وظلماً وجوراً ،وتبعتهم في المقاطعة مصر ، والتي استخدمت آليتها الإعلامية المضللة في الترويج للمقاطعة وتعميقها وهو في الإجمال يعتبر حصاراً جائراً وغير مبرر وهدفه الأساسي هو عزل قطر من محيطها الخليجي والعربي والدولي من خلال الكثير من الممارسات السلبية الجائرة ، التي مورست من قبل تلك الدول تجاهها كما سنتعرض لها لاحقاً .
إن الحقد والغل والحسد مما وصلت إليه دولة قطر، والمكانة المميزة التي تبوئتها الدولة عالميا سياسياً واجتماعيا واقتصاديا والطفرة الداخلية الكبيرة التي تعيشها الدولة في كل مناحي الحياة، والرفاهية التي ينعم بها شعبها من مواطنين ومقيمين، هو المحرك الحقيقي لأحقاد تلك الدول ومن لف لفهم. لينفثوا سموم حقدهم وغلهم فيها ويرمون دولة قطر بما ليس فيها باختلاق الأكاذيب وتلفيق التهم الباطلة، ولكن هيهات أن يفت ذلك في عضد دولة ذات أساس متين مادياً واقتصاديا وسياسياً واجتماعيا ، وقد تمثل أول رد فعل داخلي في التفاف الشعب مواطنين ومقيمين حول قيادته الواعية والرشيدة ، القيادة التي قدمت نموذجا بهر العالم في التعامل المتزن مع تداعيات الازمة قولاً وفعلا ، فكانت النتيجة الإسقاط في يد من حاصروا الدولة وتحويل تداعيات الحصار وتبعاته الى إيجابيات في واحدة من أنجح استثمارات الازمات في العالم كما سنرى في هذا التقرير الموجز الذي سوف نتناول فيه بداية الحصار وتبعاته ، ثم الإجراءات التي اتخذتها الدولة لمجابهة تلك التداعيات وكيف استطاعت من خلال تلك الحزمة من الإجراءات أن تحول تداعيات الحصار الجائر إلى إيجابيات وتحقيق الكثير من المكاسب علي المستويين الداخلي والخارجي. ثم نتطرق للدور الكبير الذي لعبته الغرفة ووقوفها بجانب الدولة في مجابهة الحصار.
بداية الحصار وتبعاته:
تفاجأت دولة قطر والعالم بأسره بإجراءات غير مسبوقة اتخذتها السعودية وحليفتاها الإمارات والبحرين فجر الخامس من يونيو2017 بمشاركة مصر، بإعلانهم مقاطعة دولة قطر دبلوماسيا واقتصاديا، بفرض حصار جائر على خلفية مزاعم واتهامات باطلة لا أساس لها من الصحة. وتنفيذا لإعلانها اتخذت تلك الدول العديد من الإجراءات التعسفية التي تمثلت فيما يلي: –
- إغلاق منافذها البرية والبحرية والجوية من وإلى قطر، ومنع العبور لوسائل النقل القطرية.
- الادعاء بان دولة قطر تدعم وتمول الإرهاب.
- اجبار رعايا دولة قطر علي مغادرة أراضيها الامر الذي تضرر منه المستثمرين ورجال الأعمال القطريين في تلك الدول، بإغلاق شركاتهم والحيلولة دون وصولهم إلى أموالهم وممتلكاتهم واعمالهم.
- اجبار رعاياها الموجودين في دولة قطر علي المغادرة الفورية والعود الي بلدانهم خلال فترة زمنية محددة والتهديد بالسجن وعقوبات اخري في حالة عدم المغادرة والعودة الي اوطانهم دون النظر الي ما سيترتب على ذلك الاستدعاء القسري من اضرار.
- انعكست تلك الاجراءات سلبا على حياة آلاف الاسر من النساء والأطفال والرجال وأدت إلى قطع الصلات والعلاقات بين تلك الأسر التي تربط بينها الكثير من الروابط مثل صلة الرحم والمصاهرة والقرابة،
الاجراءات التعسفية[1] التي تضرر منها عدداً كبيراً من طلاب دولة قطر ، وكذلك طلاب الدول المعنية في هذا الشأن حيث بلغ عدد ما تم تقديمه من شكاوى في حق التعليم لدى اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان هو 919 شكوى منها ما هو داخل قطر من مواطني تلك الدول ، بلغ عددهم (700) طالب منهم 418 من السعودية و(230) من البحرين و( 58) طالب من الامارات يدرسون بجامعة قطر ، مقابل أكثر من (239)[2] طالب قطري يدرسون في جامعات السعودية والإمارات والبحرين، وجدوا أنفسهم فجأة محرومين من متابعة دراستهم ، وتم منعهم من إكمال الامتحانات النهائية في جامعاتهم
[1] احصاءات اللجنة الوطنية لحقوق الانسـان مقال على الموسوعة الحرة على https://ar.wikipedia.org/wiki/
[2] مجلة اللعربي الجديد 0 أغسطس 2017
والبعض منهم قد شارف على الانتهاء من المرحلة الجامعية والتخرج ، وأُجبروا على المغادرة إلى وطنهم.
- في مجال الصحة تضرر عددا كبير من مواطني تلك الدول الذين كانوا يتلقون العلاج بمستشفيات دولة قطر حيث أجبرت اجراءات تلك الدول هؤلاء المرضى علي عدم استكمال علاجهم ومغادرة قطر وعودتهم إلى بلدانهم ، وفي المقابل تضرر الكثير من المواطنين القطريين ، الذين كانوا يتلقون العلاج في تلك الدول، ولم يتم استثناء هؤلاء المرضى وقد بلغ ما تم رصده من انتهاكات في الصحة حوالي 25 حالة بين قطر ودول الحصار الكثيرين من مواطني دول الحصار الذين يعملون في قطر حرموا من ممارسة حقهم في العمل وتم اجبارهم على العودة إلى بلادهم خلال فترة زمنية معينة .
- المضايقات والحرمان في بعض الأحيان من حق ممارسة الشعائر الدينية كالحج والعمرة واغلاق منافذ الاتصال والتنسيق بين السلطات القطرية والسلطات السعودية بهذا الشأن.
- حظر دخول المواطنين القطريين إلى أراضي تلك الدول، ومنع مواطني تلك الدول من السفر إلى دولة قطر أو الإقامة فيها.
الإجراءات الفورية التي اتخذتها الدولة لمواجهة الحصار:
في ظل هكذا وضع جاء التحرك المدروس ورد الفعل المثالي من جانب الدولة، حيث كان لابد من اتخاذ التدابير الفورية الكفيلة بمواجهة تداعيات هذا الحصار الجائر وتبعاته، فكان ان تم اتخاذ حزمة من الإجراءات والتدابير تمثلت في التالي: –
- أطلقت الشركة القطرية لإدارة الموانئ“موانئ قطر” خمسة خطوط ملاحية مباشرة بين ميناء حمد الذي يعد بوابة قطر الرئيسية للتجارة مع العالم، وعدد من الموانئ في المنطقة وخارجها وذلك لضمان عدم تأثر حركة السفن والملاحة البحرية والشحن في الدولة بالحصار واجراءاته من اغلاق للمنافذ البحرية والجوية والبرية ، فكان أول خط مباشر يربط ميناء حمد مع ميناء صحار وآخر بميناء صلالة بسلطنة عُمان ودشنت كذلك خط مباشر مع الهند عبر ميناء نافا شيفا بالهند وايضا خط يربط ميناء حمد بمدينة ازمير التركية وكذلك خط ملاحي أسبوعي جديد مباشر يربط بين ميناء حمد بالدوحة وكراتشي في باكستان.
حيث وصلت هذه الخطوط الملاحية بعد عام من الحصار إلى عدد 23 خطا ملاحيا بين ميناء حمد وأغلب الدول التي تربطها علاقات تجارة مع قطر.
- تشكيل لجنة مركزية للتعويضات تستقبل جميع قضايا المتضررين من الحصار، برئاسة النائب العام وبعضوية ممثلين عن وزارتي العدل والخارجية القطريتين لتلقي المطالبات بالتعويضات، من قبل القطاعين العام والخاص، ومن قبل الأفراد، وبالإضافة إلى امكانية تقديم مطالباتهم عبر الموقع الإلكتروني للجنة.
- تشجيع وتحفيز الصناعة المحلية والتحول من ثقافة المستهلك إلى ثقافة المنتج، وتفضيل ودعم المنتج الوطني بوضع ملصقات عليه في منافذ البيع والمجمعات التجارية، وتشجيع الدولة للمنتجات الوطنية عبر شراء حصة من المنتجات للسوق المحلي، بالإضافة إلى تسهيل وإزالة الصعوبات أمام الصادرات، وإطلاق العديد من المبادرات مثل المبادرات التي أطلقتها وزارة الاقتصاد والتجارة “مبادرة امتلك مصنعا في قطر خلال 72 ساعة “وهي المبادرة الثانية لمشروع النافذة الواحدة والتي تم فيها طرح 250 فرصة استثمارية بالقطاع الصناعي.
- انشاء مناطق تخزينية منخفضة التكاليف تمد السوق بمساحات تخزين تقدر بمليوني متر مربع بشكل سريع وبأسعار تنافسية تتلاءم مع طلباتهم، خلال سنتي 2018 و2019.ويتوقع أن تحفز هذه المشاريع القطاع الخاص لضخ استثمارات تقدر بمليارين و800 مليون ريال قطري في هذا المجال.
- تعزيز الاستثمار المحلي من خلال تخفيض القيمة الإيجارية بنسبة 50% لجميع المستثمرين في المناطق اللوجستية جنوب الدولة التابعة لشركة المناطق الاقتصادية، لعامي 2018 و2019.
- إعفاء المستثمرين في المناطق اللوجستية جنوب الدولة من القيمة الإيجارية لعامي 2018 و2019 في حال تم استخراج رخص البناء قبل 31 يناير 2018 واستخراج رخص إتمام البناء قبل 31 يناير 2019 الأمر الذي أسهم في تنفيذ عملية تطوير المناطق اللوجستية حسب الخطة الزمنية المعتمدة من قبل شركة “مناطق وساهم في تشجيع القطاع الخاص على الدخول في استثمارات متنوعة في القطاع اللوجستي.
- تأجيل سداد القيمة الإيجارية للمصانع “المنتجة” بمنطقة الصناعات الصغيرة والمتوسطة لمدة عام واحد بهدف دعم الصناعات المحلية وزيادة الإنتاج بما يضمن توفير مختلف السلع في الأسواق المحلية.
- تأجيل أقساط القروض الصناعية لمدة 6 أشهر لأصحاب المشاريع الصناعية المنتجة، وذلك بهدف دعم المستثمرين في القطاع الصناعي.
- إلزام الوزارات والجهات الحكومية بشراء المنتجات المحلية بنسبة 100%، في حال كان المنتج المحلي مطابقًا للمواصفات والمقاييس القطرية المعتمدة وبما يتوافق مع لوائح وسياسات لجان المناقصات والمزايدات في الدولة.
- اجراء بعض التعديلات على القوانين والتشريعات والتي شملت العديد من الامتيازات لمواكبة للمستجدات والمتغيرات الاقتصادية داخلياً وخارجياً.
وكذلك تعديلات قانون المناطق الحرة الاستثمارية والتي تضمنت العديد من التسهيلات التي جاءت على النحو الآتي:
- إنشاء منطقة حرة خارج النطاق الجمركي.
- السماح للشركات بإدخال وإخراج النقد الأجنبي.
- عدم اقتصار الشركات على تحويل الأرباح فقط، للشركات حرية تعيين العاملين وتنظيم حقوقهم.
- حوافز ومزايا للشركات المسجلة بالمناطق الحرة.
- إعفاء الشركات من ضرائب أرباح تجارة «الترانزيت»
- بالإضافة إلى إعفاء الشركات من قيود قانون الوكالات التجارية.
- تحفيز الاستثمارات المحلية ومساعدة رجال الأعمال في دراسة مؤشرات الأسواق المحلية ومدى استيعابها للسلع المستوردة وذلك عبر إطلاق الهيئة العامة للجمارك مبادرة تعليق الرسوم على البضائع لمدة 6 أشهر التي عرفت بـ (الاستيراد بقصد إعادة التصدير).
- عملت الدولة على إعادة صياغة استراتيجية الأمن الغذائي بما يتماشى مع الوضع الحالي والاعتماد على الذات والسعي للاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية، والعمل على تنويع مصادر
الاستيراد بالإضافة إلى تحسين وتطوير البنية التحتية، وتم تشكيل لجنة للأمن الغذائي لمتابعة استراتيجيات وسياسات الأمن الغذائي والتي من أهم أهدافها وضع استراتيجيات للأمن الغذائي
ومراجعتها بشكل دوري، ورصد المخاطر على منظومة الأمن الغذائي في الدولة وتغيير مستوى كفاءة الأداء لعناصر تلك المنظومة ومتابعة المخزون الاستراتيجي للأمن الغذائي، وتم طرح عدد من المشاريع في هذا الخصوص مثل مشروع الاستزراع السمكي، وتخصيص
أراضي لمشروع الأعلاف الخضراء والجافة، ومشروع البيوت المحمية وهو مشروع لإنتاج الخضراوات والفواكه لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
كيف استطاعت الدولة استثمار الحصار وتحويل تبعاته وتداعياته إلى ايجابيات
وكما تمت الإشارة في مقدمة هذا التقرير، وكنتيجة منطقية للإجراءات التي تم ذكرها الفقرة السابقة الخاصة بالإجراءات التي اتخذتها الدولة لمجابهة تداعيات الحصار نجد أن الدولة وبفضل التخطيط السليم، والقيادة الحكيمة والرشيدة والعلاقات الخارجية المتميزة قد تمكنت في وقت وجيز من تجاوز معظم آثار الحصار، وتحويل تداعياته إلى إيجابيات ومكاسب ولعل أولها وأهمها كان الالتفاف المنقطع النظير للشعب مواطنين ومقيمين حول القيادة حيث غطت لوحة تميم المجد كل أرجاء الدولة وشوارعها بلا استثناء. ثم توالت المكاسب بعد ذلك فكان أن:
1/ وصل عدد الخطوط الملاحية التي تربط ميناء حمد بمواني عدد من الدول التي تربطها علاقات تجارية مع الدولة إلى عدد (23) خطا ملاحيا بعد عام من الحصار.
2 / تغيرت نظرة المستهلك نحو المنتج المحلي حيث أصبح هو المفضل عند كل فئات المستهلكين.
3/ تنوعت السلع والمنتجات خاصة الغذائية منها في المولات، والمحال التجارية وكل مراكز البيع المختلفة بعد أن أصبحت تصل إلى البلاد من دول متعددة وبأشكال ونوعيات متباينة وجودة عالية.
4/ توجه الدولة نحو تشجيع الصناعة المحلية وتسهيل اجراءاتها فتح الباب الي قيام العديد من الصناعات حيث بلغ عدد التراخيص الصناعية التي منحتها وزارة الطاقة والصناعة للمستثمرين منذ بداية الحصار نحو أكثر من 200 ترخيص.
5/ وكنتاج لمبادرة (امتلك مصنعا خلال 72 ساعة) والتسهيلات التي صاحب تنفيذ تلك المبادرة فقد تم انشاء عدد 63 مصنعا باستثمارات بلغت قيمتها (5.2) مليار ريال شملت 8 قطاعات رئيسية كان لقطاع الصناعات الغذائية الحصة الأكبر فيها اذ تم انشاء عدد 22 مصنعا للصناعات الغذائية تلاها قطاع الصناعات الطبية بعدد 9 مصانع.
6/ عمدت كل الشركات الصناعية القائمة إلى تكثيف وتيرة الإنتاج بتوسيع وزيادة طاقاتها الإنتاجية لمجابهة التحديات، ولسد أي نقص حدث في بداية الحصار، وبمنتجات اثبتت جودتها وكفاءتها وأرضت رغبات المستهلكين بمختلف مستوياتهم وانماط استهلاكهم.
7/ استطاعت الدولة ان ترفع من حجم صادراتها نحو الخارج بشكل ملحوظ مع زيادة واضحة في وجهات الصادرات القطرية خاصة الصادرات غير النفطية.
8/ النهضة الواضحة التي انتظمت قطاع الإنتاج الزراعي ومساهمته الكبيرة في رفد السوق المحلي بقدر كبير من احتياجاته من الخضروات الطازجة.
9/اما على صعيد البورصة القطرية فقد استطاعت جذب أكثر من مئة صندوق خارجي بعد الحصار وفقا لتصريحات للرئيس التنفيذي للبورصة.
10/ وفقا لإفادات وزير الاقتصاد والتجارة فان الجهود التي بذلتها الدولة لدعم القطاع الخاص قد انعكست إيجابا على بيئة الاعمال اذ ان عدد الشركات الجديدة التي تم تسجيلها إثر فرض الحصار قد شهد نموا كبيرا حيث تم تسجيل أكثر من22111 شركة جديدة خلال الفترة ما بين يونيو2017 وابريل 2018 وشهد العدد الإجمالي للسجلات التجارية نموا ب نحو22% بعد الحصار.
مقارنات
عندما نقول بأن الدولة قد تجاوزت معظم تداعيات الحصار وآثاره خلال فترة وجيزة وبدرجة تفُوق وامتياز لم يضعها في الحسبان أكثر المتشائمين من مجموعة دول المقاطعة، لم نقل ذلك من فراغ إذ أن الكثير من الأرقام الإحصائية لفترة ما بعد الحصار، ومقارنتها بالفترة المقابلة لها قبل الحصار قد اثبتت ذلك التجاوز. وعلى سبيل المثال لا الحصر نشير إلى الأرقام الإحصائية للصادرات القطرية غير النفطية وإلى أرقام الناتج المحلي الإجمالي بشقيه الرئيسيين (التعدين واستغلال المحاجر والأنشطة الأخرى غير التعدين واستغلال المحاجر) خلال الفترة التي سبقت الحصار والفترة المماثلة التي اعقبته نجد أنها تثبت هذا الواقع.
فبحكم أن شهر يونيو هو الشهر الذي حدثت فيه المقاطعة والحصار، وبإلقاء نظرة على بيانات الصادرات القطرية غير النفطية خلال الخمسة أشهر التي سبقت شهر الحصار (يناير فبراير مارس، ابريل ومايو) وبمقارنتها بالخمسة أشهر التي تلت شهر الحصار (يوليو، أغسطس سبتمبر، أكتوبر، ونوفمبر) نجد أن اجمالي قيمة الصادرات قد بلغ ما قيمته (8.195) مليار ريال خلال الفترة التي اعقبت الحصار مقارنة بما قيمته (7.721) مليار ريال خلال الفترة المماثلة التي سبقت الحصار محققا زيادة وتفوقا نسبته 6.1%.
وكذا الحال بالنسبة لإحصاءات الناتج المحلي الإجمالي حسب الأنشطة الاقتصادية. فإذا اعتبرنا الربعين الأول والثاني من العام 2017 يمثلان فترة ما قبل الحصار وان الربعين الثالث والرابع يمثلان فترة ما بعد الحصار المماثلة نجد أن اجمالي الناتج المحلي خلال فترة ما بعد الحصار قد أحدث تفوقا على الفترة المماثلة التي سبقت الحصار، وذلك من خلال جدول التقديرات الربعية للناتج المحلي الإجمالي حسب الأنشطة الاقتصادية ومكونات الانفاق الاقتصادي للعام 2017 والذي أصدرته وزارة التخطيط التنموي والاحصاء.
من الجدول السابق نجد أن الناتج المحلي الإجمالي خلال الربعين الثالث والرابع (فترة ما بعد الحصار) قد بلغ ما قيمته حوالي (313.089) مليار ريال مقارنة بما قيمته (296.997) مليار ريال خلال الربعين الأول والثاني (فترة ما قبل الحصار) بزيادة بلغت نسبتها 4.5%، وهذا ما يثبت حقيقة ما ذهبنا إليه بأن الدولة قد استطاعت تجاوز معظم آثار الحصار، بل واستطاعت أن تستثمر هذه المقاطعة الجائرة وتحويل معظم تبعاتها وتداعياتها الي إيجابيات.
دور الغرفة والاجراءات التي اتخذتها لمواجهة الحصار:
الغرفة كممثل للقطاع الخاص القطري لم تدخر جهدا في الوقوف بجانب الدولة في مجابهة الحصار واتخاذ العديد من الاجراءات والتدابير منفردة او بالتنسيق والتعاون مع الجهات الرسمية مستفيدة من علاقاتها وتعاونها مع نظيراتها في العديد من الدول الشقيقة والصديقة، كان لتلك الإجراءات والتدابير دورها الواضح في مواجهة ومعالجة الكثير من الافرازات السلبية التي نتجت عن الحصار، وتمثلت تلك الاجراءات في الآتي:
- أصدر مجلس إدارة الغرفة بياناً صحفياً عقب الحصار يحمل رسائل طمأنينة للسوق المحلية وللتجار من عدم التأثر جراء الحصار، مشيراً إلى الموقف الوطني الايجابي لأصحاب الأعمال في أيام الحصار الأولى.
- تواصلت الغرفة مع التجار منذ اليوم الأول للحصار لإيجاد مصادر جديدة بديلة لاستيراد السلع خاصة الغذائية بشكل عاجل منها، مستفيدة في ذلك من علاقاتها مع بعض الدول الشقيقة والصديقة وتضامنت مع مطالب المواطنين والمقيمين بمقاطعة السلع والبضائع الواردة من دول الحصار وتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل
- تواصلت الغرفة مع التجار المحليين وتم تحديد المخزون الغذائي واللوجيستي لدى القطاع الخاص. وأكدت على التجار في أكثر من مناسبة بعدم تحميل المستهلك أي تكاليف إضافية جراء ارتفاع بعض رسوم الشحن.
- دشنت الغرفة شعار (قطر فوق الحصار) عبرت فيه عن وقوف القطاع الخاص القطري بكل فئاته قلبا وقالبا خلف قيادته الرشيدة، معلنا تحديه للأزمة ومواجهة كافة الصعاب التي تواجهه حتى تظل قطر شامخة حرة وأبية، وهدف الشعار إلى تغيير الثقافة الاستثمارية لمجتمع الأعمال القطري من ثقافة الاقتصاد الاستهلاكي الذي يعتمد على الاستيراد إلى ثقافة الاقتصاد المنتج القائم على التصنيع والانتاج، وصولا للاكتفاء الذاتي من السلع والمنتجات الرئيسية.
- قام عدد من رجال الاعمال بتأسيس مشاريع انتاجية لتوفير، وزيادة الاعتماد على المنتج الوطنـي وخلال فترة وجيزة امتلأت المجمعات التجارية ومنافذ البيع بالعديد من المنتجات المحلية استطاعت أن تلبي تطلعات المستهلكين لما تتمتع به من جودة عالية.
- سارعت الغرفة بالتنسيق مع مختلف الجهات الحكومية المعنية، وشكَّلَت لجانا مختصة لمعالجة كافة المعوقات، لضمان استمرار تدفق السلع من الخارج دون توقف أو انقطاع مثل اللجنة التنسيقية التي تضم أعضاء من مجلس إدارة الغرفة وآخرون من بنك قطر للتنمية للوقوف على كافة المعوقات التي تواجه رجال الأعمال والتجار خلال عملية استيراد السلع من الخارج، بحيث تكون حلقة وصل بين رجال الأعمال واللجنة المختصة في وزارة الاقتصاد والتجارة.
- قامت الغرفة بدعوة جميع الشركات القطرية للتواصل مع الغرفة وحصر الأضرار التي تعرضت لها نتيجة الحصار، وذلك عبر وضع استبانة على الموقع الإلكتروني للغرفة لحصر هذه الأضرار وتحديد حجمها لرفعها إلى لجنة التعويضات المختصة للمطالبة بتعويض هذه الشركات عن الاضرار التي لحقت بها.
- عقدت الغرفة اجتماعا موسعا مع كافة الشركات المستوردة للمواد الغذائية بحضور لجنة الطوارئ وبعض الجهات المعنية مثل الشركة القطرية لإدارة الموانئ “موانئ قطر” والخطوط الجوية القطرية، حيث تم خلال الاجتماع مناقشة كافة العقبات التي تواجه هذه الشركات، وكيفية تجاوزها من أجل ضمان استمرارية انسياب تلك السلع إلى الدولة. وكذلك عقدت اجتماعا آخر للشركات المستوردة لمواد البناء الأولية بحضور شركة قطر للمواد الأولية والشركات التي تقوم باستيراد مواد البناء مثل الجابرو وغيرها من المواد الأساسية للبناء وذلك للاطلاع على سير عملية استيراد هذه السلع من اسواق بديلة.
- كما نظمت الغرفة خلال فترة الحصار عدداً من الندوات والمؤتمرات والملتقيات لمناقشة التحديات والتداعيات وكيفية مواجهتها منها ندوة خاصة عن النظام الضريبي بالمملكة المتحدة. ورشة الاعتمادات المستندية، ندوة مواجهة معوقات تأسيس الأعمال بالتعاون مع السفارة الأمريكية في الدوحة، مؤتمر ومعرض التبادل التعليمي تحت عنوان “الاستثمار في التعليم في قطر”. ندوة مع ممثلي جهات حكومية مع رجال الأعمال حول اجراءات التخليص الجمركي، ندوة “فرص الأعمال والاستثمار بين قطر وبنجلاديش”، ندوة “الملاحة البحرية وعقود النقل البحري” ندوة “القوة القاهرة في ظل أزمة الحصار”، و”منتدى دعم المنتجات المحلية”، ندوة المسؤولية الاجتماعية وما بعدها ، ورشة ضريبة القيمة المضافة ، ندوة دليل العقود الشامل “سند”، ندوة التحديات التي تواجه الخدمات المقدمة من الجهات
الحكومية إلى القطاع الخاص، وعدد من الندوات القانونية المتخصصة التي تناولت الكثير من الأمور القانونية المتعلقة بالحصار.
- كذلك قامت بالعديد من المبادرات لدعم المنتج الوطني سواء من خلال حث المجمعات التجارية على عرض المنتجات الوطنية بشكل بارز واعطائه الاولوية في الترويج، أو من خلال اقامة المعارض التي تدعم المنتج الوطني مثل معرض “الغذاء والدواء” بالتعاون مع وزارة الطاقة والصناعة معرض “منتجات منازلنا” بالتعاون مع بنك قطر للتنمية، والنسخة
الخامسة من “صنع في قطر” وكذلك النسخة الثالثة من معرض “صنع في الصين” ايماناً منها بأهمية الصناعة المحلية في النمو الاقتصادي والترويج للصناعة وللمنتجات القطرية محلياً وعالمياً ، وتبادل الخبرات وخلق صفقات تجارية بين الشركات في قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة ، بما يتفق مع استراتيجية دولة قطر في توطين التكنولوجيا الحديثة أيضا نظمت بالتعاون مع مجمع حياة بلازا “سوق هل قطر” للمشاريع المنزلية بمشاركة نحو “32” أسرة منتجة، ولمدة شهر كامل كما قامت الغرفة برعاية ودعم عدد من المعارض مثل “معرض الصناعات والمنتجات العمانية” (أوبكس) الذي عُقد بدعم من غرفة قطر ووزارة التجارة والصناعة العمانية، والمعرض التجاري للدول الاعضاء في منظمة التعاون الاسلامي المقام ضمن فعاليات معرض “الكويت التجاري الدولي الثاني ” بمشاركة شركات قطرية فيه، اللقاء القطري العماني المشترك بين رواد الأعمال الاربعاء الموافق في أبريل ٢٠١٨”معرض مشتريات 2018م” بمركز الدوحة للمعارض و المؤتمرات خلال الفترة 5أبريل 2018م، رعاية الغرفة “لمعرض قطر الزراعي2018م” بمركز الدوحة للمعارض و المؤتمرات في مارس 2018م ، ومعرض هانوفر الصناعي 2018م، حيث قامت الغرفة بدعم “10” شركات قطرية مصنعة.
- استقبلت الغرفة خلال فترة الحصار العديد من الوفود التجارية من دول العالم المختلفة (أكثر من 35 من أصل “52” وفد تجاري خلال العام 2017. كما استقبلت غرفة قطر خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي 2018 نحو 47 وفداً تجارياً وعقدت العديد من اللقاءات التي جمعت رجال الأعمال القطريين مع نظرائهم من تلك الدول للتباحث حول الفرص الاستثمارية الموجودة في قطر، والتسهيلات التي تقدمها في هذا الشأن وكذلك الفرص المتاحة في تلك الدول، والتعرف على منتجات تلك الدول وامكانية اقامة
شراكات وتحالفات تجارية تكون ذات جدوى اقتصادية للطرفين في ظل ما توفره حكومات تلك الدول من حوافز وتسهيلات ومزايا للاستثمار فيها.
- نظمت الغرفة عدد من الزيارات لعدد من دول العالم المختلفة من أهمها وأبرزها:
- زيارة وفد كبير من رجال الأعمال إلى سلطنة عمان حيث ضم الوفد أكثر من 70 رجل أعمال قطري، تبعتها زيارة أخرى ضمت نحو 140 رجل أعمال إلى مسقط تم التباحث خلالها حول السبل الكفيلة بزيادة حجم التبادل التجاري، وكذلك الفرص الاستثمارية المتاحة
بالبلدين، وإقامة تحالفات بين رجال الأعمال القطريين والعمانيين، ومشروعات مشتركة نتج عنها تواجد كبير، ووفرة للمنتجات العمانية في منافذ البيع والمجمعات، الأمر الذي دعم تدشين الخطوط الملاحية المباشرة بين خطين ملاحيين مباشرين بين الدوحة وصلالة وصحار في سلطنة عمان.
- ونظمت الغرفة ايضاً زيارات خارجية إلى كل من تركيا والتي تم خلالها توقيع (15) اتفاقية بين الغرفة ونظيراتها في تركيا بجانب عقد عدد من الشراكات بين رجال الأعمال القطريين ونظرائهم من تركيا.
- جولة آسيوية شملت ماليزيا وسنغافورة واندونيسيا، وزيارة أخرى إلى باكستان هذا بجانب عدد من الدول الافريقية منها اوغندا، غانا، بلغاريا، وبلجيكا.
- كذلك زيارة وفد ضم 55 رجل أعمال قطري برئاسة سعادة الشيخ خليفة بن جاسم بن محمد آل ثاني رئيس الغرفة دولة الكويت الشقيقة.
- وفي شهر أبريل الماضي قام وفد أعمال ضم أكثر من 200 رجل أعمال ومسؤول قطري بزيارة إلى الولايات المتحدة الامريكية في جولة الحراك الاقتصادي التي شملت عدة مدن أمريكية منها ميامي وواشنطن وغيرها من المدن، بهدف تعزيز وتوسيع العلاقات التجارية والاقتصادية بين دولة قطر والولايات المتحدة الأمريكية، وإتاحة الفرصة للتواصل بين أصحاب الأعمال وتعزيز تعاون القطاع الخاص من الطرفين بالإضافة إلى اقامة مشاريع استثمارية مشتركة ذات جدوى اقتصادية لما فيه من مصلحة للجانبين.
- وقعت الغرفة أكثر من 15 اتفاقية تعاون مع عدد من نظيراتها في العديد من دول العالم المختلفة لتعزيز اواصر التعاون وتشجيع أصحاب الأعمال القطريين على التعاون والتواصل مع نظرائهم في تلك الدول منها على سبيل المثال: –
- مذكرة تفاهم مع الغرفة الوطنية للتجارة والصناعة بماليزيا، وذلك على هامش أعمال المنتدى الاقتصادي القطري الماليزي الذي نظمته وزارة الاقتصاد والتجارة بالتعاون مع وزارة التجارة الدولية والصناعة بمملكة ماليزيا الاتحادية.
- وعلى هامش منتدى الاقتصاد القطري-السنغافوري الذي نظمته وزارة الاقتصاد والتجارة القطرية بالتعاون مع وزارة التجارة والصناعة بجمهورية سنغافورة، وقعت غرفة قطر واتحاد الأعمال السنغافوري مذكرة تفاهم بهدف تعزيز التعاون التجاري والاستثماري بين الغرفة
والاتحاد، من خلال توفير وتبادل المعلومات حول اقتصاد البلدين ودعم الوفود التجارية وتعزيز فرص الشراكة الاستثمارية بين الجانبين.
- اتفاقية تعاون مع شركة حوسبة الشركات المتطورة تهدف الى توفير خدمات الانظمة المعلوماتية للقطاع الخاص في دولة قطر.
- بالإضافة إلى اتفاقية تأسيس مركز الأعمال القطري العماني، ومذكرة تفاهم مع غرفة تجارة وصناعة كازاخستان.
ليس بمستغرب ان تقف الغرفة هذه الوقفة القوية بجوار الدولة في مواجهة هذه الازمة وان تلعب هذا الدور المتعاظم الذي كان له الأثر الكبير في معالجة الكثير من تداعيات الازمة، فالقطاع الخاص هو عضد الدولة وساعدها الأيمن في بناء نهضة البلاد وتنمية اقتصادها والدولة من جانبها قد ظلت تقدم له الكثير والكثير من اجل تطويره وترقية اعماله ليكون قويا وقادرا علي لعب الدور المنوط به في مسار التنمية الاقتصادية، فلم يخيب القطاع الخاص ظنها فكانت هذه الوقفة المشهودة والمشرفة للغرفة ومن خلفها رجال الاعمال في كافة القطاعات والأنشطة الاقتصادية.
الخاتمة:-
وهكذا نجد أن صمود دولة قطر في وجه الحصار بهذه الكفاءة المتناهية متمسكة بثوابتها المعلنة، وتماسك جبهتها الداخلية، وتحويل تداعياته الي إيجابيات ومكاسب داخلية وخارجية بعد فترة اكتنفتها الكثير من التحديات ولم تخلو من تضحيات جسام، لهو دليل علي قوة الدولة ومتانة أساسها، وحكمة وحنكة قيادتها، وايمان شعبها بقضيته العادلة في وجه ظلمة لم يراعوا حق الاخوة ولا حق الجيرة ووحدة المصير المشترك، متجاوزين الكثير من المبادئ السامية للقانون الدولي والتي على رأسها مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
ايجازا نقول رب ضارة نافعة، فالأزمة قد جعلت قطر أقوى، واكسبتها ود وتعاطف معظم دول العالم التي لم تجد امامها سوي ان تقف مع الحق، وهو ما لم يضعه الطرف الآخر في الحسبان عند اقدامه على تنفيذ هذا المخطط الجائر البغيض. فانقلب السحر علي الساحر فكانت خسائر دول الحصار هي الأكبر على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية.
اعداد إدارة البحوث والدراسات